
“جيل Z” بين الطموح واللايقين… ما الذي يقلق شباب طنجة فعلا اليوم؟
في مقهى حديث بمنطقة مالاباطا، تتعالى أصوات موسيقى “اللوفي” الهادئة، تتخللها نقرات سريعة على شاشات الهواتف، وكأنها لغة صامتة لجيل يتقن التعبير بالصورة أكثر من الكلمة.
يجلس مجموعة من الشباب حول طاولة مشتركة، يراجعون مقاطع قصيرة صوروها لتوهم، يناقشون الإضاءة والزوايا والمؤثرات. بالنسبة لهم، لم تعد الكاميرا مجرد أداة ترفيه، بل نافذة وجود، وملاذًا من ضجيج يومي تتزاحم فيه الطموحات والمخاوف، وتضيق فيه المسارات التقليدية نحو المستقبل.
ينتمي هؤلاء إلى جيل لا يشبه من سبقه. جيل ولد مع الإنترنت، وتكونت شخصيته بين خيوط الواي فاي وخوارزميات المحتوى المقترح، جيل تعلم النطق بلغات متعددة من خلال الشاشات، وتربى على ثقافة التفاعل اللحظي، لا الانتظار.
في طنجة، المدينة التي تبدو أحيانا أكبر من حجم أبنائها، وأسرع من إيقاعهم الداخلي، يعيش شباب “الجيل Z” مرحلة انتقالية دقيقة، تتقاطع فيها التطلعات الفردية مع البنية المجتمعية التي لم تعدد بعد آليات الاحتضان أو الاعتراف.
آدم، 22 سنة، طالب في كلية الاقتصاد، يبدو حائرا بين نظريات السوق التي يدرسها والواقع الذي يصطدم به خارج المدرج. يقول بصوت منخفض: “أكثر ما يقلقني هو غياب الأفق المهني رغم الشهادات… الجهد الدراسي لم يعد ضمانة كما كان من قبل”. الجملة تمر بثقل، يتلقفها سامي، 20 سنة، الذي يعمل نادلًا في أحد المقاهي بعد أن تعذر عليه إكمال دراسته في مؤسسة خاصة: “كلنا نبحث عن عمل أو طريق مختلف، لكن أغلب الأبواب مغلقة، أو مفتوحة بثمن باهظ”. خلف ابتسامتهم العابرة، يطفو شعور جماعي بخيبة مؤجلة.
لكن المسألة لا تتوقف عند الشغل. سارة، 19 سنة، طالبة سابقة في معهد تقني، تنظر للأمر من زاوية أكثر وجودية. تقول: “مشكلتي ليست فقط في إيجاد عمل، بل في الإحساس بالانتماء. نشعر أننا نعيش في مدينة كبيرة وسريعة، لكنها لا تمنحنا الوقت لنفهم أنفسنا. الكل يريد أن ينجح بسرعة، أن يرى، أن يتبع… ولا أحد يسأل كيف يشعر”.
في الأحياء الناشئة مثل العوامة ومسنانة، حيث تنبت العمارات بشكل أسرع من المرافق، يتأرجح كثير من الشباب بين واقع رقمي متصل بالعالم، ويوميات محلية تعاني من اختناق النقل، وغياب التأطير الثقافي والرياضي.
الهوة تتسع بين ما يشاهدونه على الإنترنت وما يحيط بهم في الواقع، ومعها يتنامى شعور باللاجدوى. مراكز الشباب قليلة، والأنشطة محدودة، وغالبًا ما تختزل الفرصة في مبادرات مناسباتية أو تجارب معزولة.
وتشير ملاحظات ميدانية متطابقة إلى أن انشغالات الجيل الجديد لا تنحصر في الجانب المهني، بل تمتد إلى مستويات تتعلق بالتعبير الذاتي والانتماء.
وتُسجل في هذا السياق مطالب متزايدة بوجود فضاءات مخصصة للتفاعل الثقافي والاجتماعي، في مقابل مؤشرات على شعور عام بالفراغ، لا يرتبط دائمًا بالوضع الاقتصادي المباشر.
ومع ذلك، لا تخلو المدينة من محاولات لالتقاط نبض هذا الجيل. جمعيات شبابية محلية تحاول استثمار الطاقات المتناثرة، من خلال ورش رقمية وفنية، أو برامج تدريب في الصناعات الإبداعية والبرمجة. بعضها يستقطب المئات، ويوفر للمشاركين أول تجربة إنتاج ذاتي أو عرض فني. غير أن التحدي الأكبر يظل في غياب الاستمرارية، وانعدام آليات التمويل الكفيلة بتحويل التجربة إلى مسار مستقر.
في النهاية، يبدو الجيل Z في طنجة كمرآة لعصر سريع لا ينتظر أحدا. جيل يعيش تحت ضغط الإيقاع المتسارع، لكنه يبحث عن صوت داخلي يرشده وسط الضوضاء.
بين أحلام كبرى وواقع متقلب، يسير شباب المدينة بخطى مترددة نحو مستقبل لم يرسم بعد، وهم لا يسألون فقط كيف ينجحون، بل كيف يظلون أنفسهم دون أن يضيعوا في الطريق.