“طحن الأوراق بدل القمح”… فضيحة جديدة تكشف استهتاراً بصحة المغاربة ونهباً للدعم العمومي
في فضيحة مدوية تهز الرأي العام وتكشف حجم العبث الذي ينخر جسد منظومة الدعم الغذائي بالمغرب، فجّر أحمد التويزي، رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، قنبلة سياسية من العيار الثقيل، حين كشف أن بعض شركات المطاحن لا تطحن القمح، بل الأوراق! لتقدّمها للمغاربة على أنها “دقيق مدعّم”، في جريمة صريحة تمس الأمن الغذائي وصحة المواطنين.
هذه الفضيحة التي خرجت إلى العلن خلال اجتماع لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، يوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025، عرّت حقيقة الاستهتار الحكومي بمراقبة الدعم العمومي الذي يفترض أن يذهب إلى الفئات الفقيرة، لكنه تحول إلى ريعٍ سخيٍّ يغذي بطون “الأقارب والأصدقاء” من أصحاب المطاحن والشركات المحظوظة.
فبينما تُهدر أكثر من 16 مليار درهم سنوياً من ميزانية الدولة تحت شعار “دعم دقيق القمح الوطني”، يتجرّأ البعض على تسميم المغاربة بالدقيق المزوّر دون حسيب أو رقيب. أي منطق هذا الذي يجعل الخزينة العامة تموّل الفساد، وتحوّل أموال دافعي الضرائب إلى جيوب حفنة من المستفيدين الذين لا يعرفون سوى منطق الربح السهل والمال الحرام؟
إنها مأساة مزدوجة: نهب المال العام من جهة، والاستهتار بصحة الشعب من جهة أخرى. فأي دولة يمكن أن تقبل أن يُطحن “الورق” بدل القمح، وأن يُوزّع على الأسر الفقيرة التي لا حول لها ولا قوة؟ وأين هي المراقبة؟ وأين هي أجهزة التفتيش والمحاسبة التي يُفترض أن تحرس المال العام وجودة ما يُقدّم للمستهلكين؟
التويزي نفسه لم يتردد في القول إن نظام الدعم الحالي مريض ومختلّ، وإن مليارات صندوق المقاصة تذهب للأغنياء قبل الفقراء، في انقلاب تام على فلسفة التضامن الاجتماعي. وهو تشخيص صادم لكنه واقعي، يعبّر عن منظومة من الريع السياسي والاقتصادي التي تحوّل الدعم إلى وسيلة لشراء الولاءات وتوزيع المنافع.
وإذا كانت الحكومة الحالية تتغنى بمشروع “السجل الاجتماعي الموحد” كأداة لتوجيه الدعم المباشر، فإن الحقيقة أن هذا السجل لن ينفع ما لم يُقطع دابر الفساد والمحاباة في منح الرخص ومراقبة جودة المنتوجات المدعمة.
لقد حان الوقت لفتح تحقيق وطني شفاف ومستقل حول ملف المطاحن والدقيق المدعم، لمعرفة من يسرق، ومن يغض الطرف، ومن يوقّع على المحاضر الصورية التي تبرئ اللصوص وتدين المواطنين بالصمت. فصحة المغاربة ليست لعبة سياسية، ولا يمكن أن تُقايض بالصفقات والولاءات.
“طحن الأوراق بدل القمح” ليست مجرد عبارة صادمة، بل هي عنوان لمرحلة كاملة من العبث واللامسؤولية، مرحلة تُظهر أن المال العام بلا حارس، وصحة المواطنين بلا حماية.
فهل تتحرك الدولة أخيراً؟ أم سنكتفي ككل مرة بتصريحات غاضبة تنتهي في سلة النسيان؟
