الهيدروجين الأخضر.. قمة عالمية تحمل الخير في مراكش
احتضن المغرب الدورة الثالثة للقمة العالمية للهيدروجين الأخضر بمشاركة عدد من الفاعلين والخبراء الدوليين لمناقشة الاستراتيجيات المبتكرة.
مع اقتراب مؤتمر الدول الأطراف لتغير المناخ (COP28) المقرر عقده في الفترة من 30 نوفمبر حتى 12 ديسمبر المقبل بدبي في دولة الإمارات، احتضن المغرب الدورة الثالثة للقمة العالمية للهيدروجين الأخضر وتطبيقاته، (World Power-to-X Summit)، بمدينة مراكش.
تعزيز الحوار الإقليمي
شارك في القمة العالمية التي نظمت على مدى يومين تحت رئاسة العاهل المغربي محمد السادس عدد من الفاعليـن والخبراء فـي المجـال الطاقـي الوطنيين والدوليين، ثم عدد مـن الصناعييـن الدوليين، وأصحاب القرار السياسي حيث ناقشوا الاستراتيجيات المبتكرة في مجال الهيدروجين الأخضر الذي يعد من أهم المصادر النظيفة للطاقة والتمويل.
وأجمعت المداخلات على أن النسخة الثالثة من القمة العالمية للهيدروجين الأخضر تكتسي أهمية خاصة، لكونها تنعقد في سياق أزمة طاقية عالمية فاقمتها التوترات الدولية والتحولات السياسية المتسارعة.
ووفق المنظمين، فإن استضافة المغرب للنسخة الثالثة من هذه القمة العالمية للهيدروجين الأخضر، تشكل خطوة مهمة بالنسبة للمملكة الواقعة في شمال أفريقيا، لا سيما مع مساعيها الدائمة لتطوير شراكات واسعة في جميع أنحاء أوروبا، والعمل على تعزيز الحوار الإقليمي والدولي حول فرص وتحديات سلسلة القيمة الصناعية واللوجستية والتكنولوجية للهيدروجين الأخضر وتطبيقاته، وإبرام شراكات من أجل عصر جديد للطاقة النظيفة.
وحسب ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، فإن المملكة المغربية اكتسبت خبرة كبيرة في مجال الطاقات المتجددة، وتمتلك مؤهلات كبيرة في هذا المجال، أبرزها الإمكانات الشمسية الاستثنائية بعدة مناطق من البلاد، والاستقرار السياسي والقانوني وبيئة مواتية للمستثمرين وشراكات متقدمة مع الاتحاد الأوروبي.
وأكدت بنعلي خلال جلسة عامة حول موضوع “الهيدروجين الأخضر والطريق نحو COP28” على ضرورة مضاعفة الاستثمار السنوي في الطاقات المتجددة ثلاث مرات، من أجل التحضير لاقتصاد مستقبلي يعتمد على الهيدروجين الأخضر.
الاستثمار من أجل تسريع الانتقال الطاقي
وأضافت الوزيرة أن المغرب يعتزم الاستثمار بشراكة مع القطاع الخاص بميزانية تتراوح بين مليار وملياري دولار أمريكي سنويا، بشكل ثابت، من أجل بناء نموذج اجتماعي واقتصادي أقوى وتسريع الانتقال الطاقي.
وتابعت المسؤولة الحكومية، إن “أمور الطبيعة تذكرنا دائما أنه يجب علينا أن نبني نماذج اقتصادية تصمد أمام هذه الكوارث، ونحن ملتزمون ببناء هذه المشاريع ونشكر شركاءنا الوطنيين والدوليين”.
كما أبرزت بنعلي، أن الهيدروجين الأخضر يمكن أن يشكل حلا ناجعا لإزالة الكربون من القطاع الطاقي، لا سيما في ظل الاستهلاك العالي للطاقة، موضحة أن “الحاجة إلى اتباع نهج عملي لتحقيق الأهداف، بما في ذلك تلبية 52 في المائة من احتياجاتنا الطاقية من مصادر الطاقة المتجددة بحلول سنة 2030
ومن جهة أخرى، أفادت الوزيرة أن المملكة المغربية أظهرت مرونة في مواجهة أزمات الطاقة المختلفة، مسجلة أنه بالإضافة إلى إمكاناتها من حيث الطاقة المتجددة، تمتلك المملكة مزايا عديدة مكنتها من فرض نفسها كفاعل رئيسي، ولا سيما بفضل ارتباطها اللوجيستيكي والطاقي مع القارة الأوروبية.
ولفتت بنعلي، إلى أن المغرب بفضل التزامه الريادي بالتنمية المستدامة، تمكن المغرب من وضع إطار تنظيمي مناسب للمستثمرين، راكم خبرات كبيرة ورؤية عالمية واضحة للرهانات الطاقية.
وأوضحت المتحدثة ذاتها أن المملكة تعتزم الاستفادة من هذه الإنجازات الأخيرة للتمركز في الأسواق الناشئة للاقتصاد الأخضر والنظيف، مشيرة إلى أنه من أجل وضع المغرب في نادي الدول
ذات الإمكانات العالية في قطاع الهيدروجين الأخضر الناشئ، وللاستجابة للمشاريع المتعددة التي يطلقها المستثمرون وقادة العالم، أعطى الملك تعليماته السامية لتطوير في أسرع وقت ممكن، عرض تحفيزي خاص بالمغرب.
ضرورة تعزيز التعاون والولوج للتمويل
وعلى صعيد آخر، شددت الوزيرة على ضرورة تعزيز التعاون والتضامن الدوليين للتعامل مع أزمة الطاقة في المنطقة، لا سيما من خلال تعزيز الولوج إلى التمويل ونقل التكنولوجيا وتعزيز القدرات.
كما أكدت على أهمية زيادة التكامل والتعاون الإقليمي والشراكات بين القطاعين العام والخاص لرفع التحديات الطاقية.. من جانبها، أوضحت وأما اتريسيا بيلار ليومبارت كوساك، سفيرة الاتحاد الأوروبي بالمغرب، فأكدت أن الاتحاد الأوروبي والمغرب قاما بتعزيز الاتصالات على جميع المستويات ووضعا خطة عمل طموحة للشراكة الخضراء في مجال الانتقال الطاقي والتكيف مع التغيرات المناخية وحماية البيئة، وتعزيز الاقتصادين الأخضر والأزرق.
كما قالت كوساك، أن المملكة المغربية باتت شريكا طبيعيا من أجل بناء روابط قوية للصداقة والتعاون مع الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن المغرب أول دولة طور معها الاتحاد الأوروبي شراكة خضراء.
وتابعت السفيرة نفسها، “هذه الشراكة أضحت الإطار السياسي للتعاون المتبادل حول القضايا الخضراء، ومكنت من وضعها في طليعة هذه العلاقات.
تحقيق الاستقرار في المجال الطاقي أمر مهم
ومن جانبه، أبرز سمير رشيدي، المدير العام بالنيابة لمعهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة، والكاتب العام لتجمع الهيدروجين الأخضر أن الهيدروجين يمثل حلقة أساسية في الانتقال الطاقي، وقاطرة لطاقة ذات قيمة عالية، وهو يندرج، في الآن ذاته، ضمن رهانات التنمية الاقتصادية، والتنمية المستدامة.
وقال رشيدي، وهو أيضا الكاتب العام لـ”تجمع الهيدروجين الأخضر إن المغرب وبتوجيهات وتعليمات ملكية يبرهن من جديد على صموده ومواجهته لمثل هذه الأزمات.
كما أوضح الخبير ذاته، أن المملكة المغربية تتوفر على العديد من المؤهلات لتطوير سلسلة دينامية للهيدروجين، وأن إنتاج الهيدروجين الأخضر بالمغرب، بالإضافة إلى تشجيع نمو المغرب الاقتصادي، سيساهم في تخفيض انبعاثات الكربون لصناعتنا، وسيمكن من التمويل المشترك للانتقال والأمن الطاقي.
وبدوره، أكد هشام الهبطي، رئيس جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، أن المجتمع الدولي قطع خطوات كبيرة في الحد من الاعتماد على المحروقات الأحفورية، من خلال اللجوء إلى مصادر متجددة للطاقة.
وأشار الهبطي إلى أن الوكالة الدولية للطاقة كانت في عام 2021، اعتبرت أن الطاقة الشمسية والريحية والهيدروجين وغيرها من الطاقات المتجددة ستمثل نسبة 30 في المئة من الإنتاج العالمي للطاقة، وهو رقم قياسي.
وأوضح الهبطي أن تحقيق الاستقرار في المجال الطاقي أمر مهم، والتغير المناخي يحتاج إلى استجابة منسقة وسريعة، والاعتماد على الوقود الأحفورية من الأسباب الرئيسية التي تؤدي الى التغيرات المناخية.
يذكر أن الملتقى نظم بإشراف من وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، وبمبادرة من معهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة وتكتل الهيدروجين الأخضر بالمغرب وجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بشراكة مع مجلس جهة كلميم واد نون ومجلة صناعة المغرب.
وتهدف هذه القمة، المنظمة بإشراف من وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، بمبادرة من معهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة، وتكتل الهيدروجين الأخضر بالمغرب وجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بشراكة مع مجلس جهة كلميم واد نون ومجلة صناعة المغرب إلى تعزيز الحوار الإقليمي والدولي حول فرص وتحديات سلسلة القيمة الصناعية واللوجيستية والتكنولوجية للهيدروجين الأخضر وتطبيقاته، وإبرام شراكات من أجل عصر جديد للطاقة النظيفة.
وأضاف أن المغرب رسخ، تحت القيادة النيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، منذ منتصف سنوات 2000، مكانته كرائد إفريقي وعالمي في إنتاج الطاقة النظيفة.
وخلص الى أن إفريقيا تعاني من 50 في المائة من انبعاثات الغازات وتدهور الغلاف الجوي، مؤكدا في هذا السياق، أن بعض الدراسات أظهرت أن افريقيا بإمكانها إنتاج ملايين الأطنان من الهيدروجين بحلول سنة .
بدورها، دعت مباركة بوعيدة، رئيسة مجلس جهة كلميم واد نون، المجالس الجهوية إلى لعب دورها كفاعلين في مشاريع التنمية المستدامة ومساهمين للنهوض بالطاقات الجديدة، لكون الجهات هي القلب النابض للابتكار والنمو الاقتصادي، مشيرة الى أن الجهات بإمكانها أن تكون أراضي خصبة للمشاريع وإبرام شراكات جديدة لاختبار ابتكارات تكنولوجية جديدة .
توقيع اتفاقيات
وجرى على هامش هذه القمة، توقيع عدة شراكات تتعلق بالهيدروجين الأخضر، تتوخى النهوض بالبحث والابتكار حول الهيدروجين الأخضر، وانتهاز الفرص التي توفرها هذه الشعبة الاقتصادية والصناعية، بغية توطيد الانتقال الطاقي للمغرب.
وتهدف هذه الاتفاقيات إلى تشجيع الابتكار وتعزيز التكوين في مجال الهيدروجين الأخضر بغية تحقيق التنمية المستدامة، فضلا عن إرساء تدابير مناسبة كفيلة بإنجاح الانتقال الطاقي بالمغرب.
وتروم الاتفاقية الأولى، المبرمة بين مجلس جهة كلميم – واد نون ومعهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة، إقامة تعاون في مجال البحث ومختلف الأنشطة المرتبطة بالتنمية المستدامة، بينما الاتفاقية الثانية المبرمة بين مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، وتكتل الهيدروجين الأخضر ” Cluster GreenH2″ ومعهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة، فتهدف إلى التطوير والتنفيذ المشترك لبرامج التكوين المهني لفائدة مهنيي سلسلة قيمة الهيدروجين الأخضر في المغرب وإفريقيا.
كما همت الاتفاقية الثالثة مع معهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة، تطوير مشاريع أبحاث في مجال الطاقات المتجددة وتخزين الطاقة، فيما الاتفاقية الرابعة، تم إبرامها بين معهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة والمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، تتعلق بالتعاون من أجل تعزيز القدرات، والمشاريع البحثية، والشراكات في مجالات التغيرات المناخية، والطاقات المتجددة، والنجاعة الطاقية.
وبخصوص الاتفاقية الخامسة المبرمة بين تكتل الهيدروجين الأخضر و”Eco-Stream Nederland B.V”، تهدف إرساء شراكة رابح-رابح لدعم تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر في المغرب.
يذكر أن النسخة الثالثة من هذه القمة العالمية تضمنت برنامجا علميا متكاملا، من تنظيم الجلسات العامة والندوات المتخصصة المتوازية، إضافة إلى دورات تدريبية، بالإضافة إلى تعميق فهم مختلف الجوانب المتعلقة بالهيدروجين الأخضر وتطبيقاته واستعمالاته، مثل الإنتاج والتحويل والتخزين والتوزيع والاستخدام، دون إغفال جوانب التمويل والاستثمار والبنى التحتية، كما سيتار خلال هذه القمة أسئلة بشأن الهيدروجين الأخضر في المنطقة العربية وسبل تمويل وتنظيم وتطوير مشروعات الهيدروجين وإزالة الكربون، وطرق نقله وتخزينه، بالإضافة إلى مناقشة الطرق التي يمكن بها فتح أسواق جديدة لتصدير الإنتاج، والقطاعات التي تحتاج قدرًا أكبر منه.
وفتحت هذه النسخة المجال أمام العارضين بأروقة المعرض قصد استعراض أحدث الابتكارات والمشاريع الناجحة التي تعتمد على الطاقة الخضراء والتكنولوجيا النظيفة، حيث ستوفر منصة مثالية للمشاركين لتبادل المعرفة والخبرات والاستفادة من الأفكار الابتكارية.
يشار إلى أن القمة العالمية للهيدروجين الأخضر وتطبيقاته، تعد أحد أهم وأبرز الفعاليات العالمية المختصة بالهيدروجين الأخضر، حيث بحثت النسخة الثالثة الإمكانات الواعدة والتحديات التكنولوجية التي تواجه إنتاج الهيدروجين، والانتقال صناعيًا إلى تطبيقاته، وطرق استغلالها لتحقيق أهداف الاستدامة.
واعتبر المشاركون المؤتمر منصــة رائــدة تهــدف إلــى تعزيــز حــوار إقليمــي ودولــي حــول فــرص وتحديــات سلســلة القيمــة الصناعيـة واللوجسـتية والتكنولوجيـة للهيدروجيـن الأخضـر وتطبيقاتـه.
كما تهـدف هـذه المبـادرة إلـى تثبيـت المغـرب كزعيـم إقليمـي ومحـور أفريقـي فـي مجـال الهيدروجيـن، بالاسـتناد إلـى مزايـاه الطبيعيـة واسـتراتيجيته الوطنيـة وشـراكاته الدوليـة القويـة.