جهة كلميم وادنون: تحديد الأولويات بقلم المختار زابيلا
تعتبر عملية التخطيط المسبق والبرمجة التشاركية أداة شديدة الأهمية في المناهج المتقدمة في التفكير الاقتصادي لوضع أي تصور للتنمية والتقدم بالسياسات العامة الواجب إعتمادها من المجالس المنتخبة وخاصة مجلس الجهة لحل أي معضلة قد تواجهه إقتصاديا أو إجتماعيا ، وللتقرب من ذهن الساكنة وتفكيرها للحصول على نتيجة يرغب فيها المجتمع بجهة كلميم وادنون خاصة إذا تعذر على المجالس المنتخبة محليا سواء إقليميا أو حضريا أو قرويا بلوغها بشكل تلقائي وفقا لمخططاتهم والميزانيات المتوفرة لديهم والمرصودة بالرغم من ضعفها الشديد .
بيد أن مكاتب الدراسات المنتدبة لإعداد مثل هذه المخططات والبرامج التنموية وطرق صياغتها وكيفية تنفيذ عدد كبير منها يظهر بشكل جلي مدى محدودية هذه المكاتب وبعدها أحيانا عن السياسات العامة للبلاد أو عدم مواكبتها، كما أن كثيراً من الغموض يشوب أحيانا عمليات إعداد تلك السياسات الجهوية مما قد يعرضها إلى تشوهات عند عرضها وإقتراح تنفيذها على أرض الواقع نتيجة ضعف تأثيرها مجاليا، ولربما نادرا جدا ما تخضع إلى تقييم دقيق وموضوعي لتكلفتها المالية وآثارها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على الساكنة.
وهنا لابد من التذكير بأن صياغة السياسات العامة وتنفيذها بشكل فعّال على أرض الواقع وتقييم تأثيراتها المباشرة والثانوية على الساكنة في الأفق المنظور وعلى المدى القريب أو المتوسط تقتضي توفير مجموعة من الشروط الفكرية والعلمية، والمؤهلات المؤسساتية ، والقدرات الفنية لذا مكاتب الدراسات أولا، والجهود التواصلية بهدف تحقيق الفائدة القصوى للمواطنين بالنسبة للمجالس المنتخبة، ناهيك عن غياب الدراية بالشروط السياسية المتفق عليها بين سلطة الوصاية والمجالس كما هو الحال بالنسبة للجهات الجنوبية بإعتبار الظروف المواكبة للتحولات الدولية وخاصة مع الشريك الأوربي من جهة والإتفاقات التي وقعتها بلادنا مع أطراف أخرى .
صحيح أن الموارد العامة المخصصة للمجالس كحال جهة كلميم وادنون ليست بالشحيحة أو المحدودة لسن سياسة تنموية فاعلة قد يؤدي برئيسة المجلس إلى دخول تجادبات غير موجهة بين ممثلي الأقاليم وغيرهم من الكتل الإنتخابية لأغراض تخرج عن منطق التخطيط إلى غرض معين يلامس كيفية المحافظة على منطق الأغلبية للتخفيف من الإنتقاد، ويخلق أحيانا وضعيات متناقضة بين مكونات المجلس ( بعيدا عن المنطق السياسي للأغلبية والمعارضة) ويغيب بذلك التحليل المسبق للسياسات والتوجهات الكبرى في تحديد الخيارات عند مكونات المجلس ، قبل صياغة أي مخطط مستقبلي حيث يشمل ذلك الظرفية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ، ومعرفة إتجاهات الرأي العام بالجهة ، هذا فضلا عن مدى تأثير تنفيذ البرامج على الحياة اليومية للساكنة.
وفيما يخالف ذلك، قد يحتاج المنتخبون بصفة عامة إلى جهد مضاعف في إقناع الرأي العام بوجاهة أولوياتهم وأفضلية خياراتهم لتحسين رفاه المجتمع، وتلك معركة يكون الصدق مفتاحها.
من المؤكد أن المنتخبين وخاصة الرؤساء منهم في سائر المجالس تحاصرهم ضغوطات كثيرة سواء من سلطة الوصاية أو المراقبة أو مطالب ساكنة دوائرهم الإنتخابية أو وجود تنظيمات مدنية (كالجمعيات الممونة مسبقا ) والتي تستعمل بين الفينة والأخرى بهدف التأثير على عملية صنع السياسات العامة.
ثانيا ، غياب منتديات الفكر ومؤسسات البحث العلمي على الصعيد الجهوي وكذلك غياب الصحافة المستقلة في تنوير الرأي العام وبالتالي التأثير في عملية صنع البرامج التنموية. وثالثا ، نجد أن الكثير من النقاشات داخل دورات المجلس تنحو منحى توزيع المنافع لصالح هذه المجموعة أو تلك ما قد يحسن رفاه إقليم على حساب آخر أو جماعة قروية على حساب أخرى يكون القصد الحقيقي من ورائها عدم إتاحة الفرصة للناخبين في معاقبة المنتخب أو تجديد الثقة فيه.
وهنا ستستند البرامج التنموية بالجهة إلى مؤشرات غير دقيقة بل مخطئة من الناحية العلمية ، حيث ستتوجه كل كتلة داخل المجلس إلى تعظيم إنجازاتها في شكل أقرب إلى الدعاية الشعبية كما شاهدناه بين الفينة والأخرى داخل دورة المجلس الأخيرة لشهر مارس ، فيما غابت المعلومات المفيدة عن الأولويات لتحديد نتائجها على الساكنة.
ختاما، أقول أنني لاأريد لجهتنا أن تقف على مفترق الطرق، وهي الآن تحتاج – على ما أعتقد- إلى إعادة النظر بشكل عميق في وضع وتنفيذ وتقييم سياساتها التنموية بعد أن إشتغلت من الناحية المؤسسية جميع أجهزتها الحوكمية .
وإلى مجلس آخر….