وأكثرهم فرحا بفوز المنتخب المغربي هم الفقراء والمضطهدون .. ألف شكر!
لست من صنف الفتيات اللواتي يتابعن مباريات كرة القدم رغم أنف الجسفرون والأستروجين، ولم تستهويني قط فكرة اقتتال أكثر من عشرين رجلا، بالغا، على كرة من الجلد أو البلاستيك، لكن جيناتي العربية الأفريقية تعلن النفير كلما دخل الملعب فريق يقاسمني اللغة أو المعتقد أو القارة الجغرافية مع خصم غريب. فلا أملك إلا أن أحشر أنفي مع الحاشرين والسؤال عن نتيجة المباراة كلما علا هتاف متحمس ..
كثرت أسئلتي الفضولية خلال هذا المونديال بالذات، لربما ذاك بسبب موجة الك.راهية و حملات الازدراء والتبخيس والذم التي طالت أهل لغة الضاد، المهم أني وكأي إفريقية أصيلة كنت أشجع الأقرب فالأقرب.
العربي أولا لأنه ابن العم و”أنا وابن عمي على الغريب”، يليه كل منتخب له نفس معتقداتي، وإذا لم يكن هذا ولا ذاك فحماسي متوقد للإفريقي.
مونديال قطر أظهر الوجه القبيح لبعض من أحسنا به الظن من قبل، لكنه أظهر الجمال المكنون بداخل كل عربي نكاية في الساخرين لاسيما المتعصبون من عشاق نكاح البواسير..
المونديال أعاد الدفئ لقلوب العرب بعد عقود عجاف جمدت أهوالها الدم في عروقهم، كما أحيا معاني العروبة والقومية التي ماتت ودفنت مع الزعماء الروحيين العرب، لكن أجمل ما فعله هذا المونديال هو ما رأيته رأي العين هنا.. بالمغرب.
بعد حكومة الإسلاميين التي جوعت وفقرت الفقراء، جاءت كورونا بكماماتها وحجرها صحي ثم اجتاحت البلاد موجة الغلاء وتسيب الأسعار ليسحق الفقير تمام السحق، ويقضى على الطبقة المتوسطة، وتكثر الرداءة، ويعلو السخط الشعبي وتبادل التهم.
كل الوجوه كانت متجهمة وعابسة، إلى أن دخل الفريق الوطني إلى الملعب.
مع أول هدف في مرمى بلجيكا، حلت “عبس” أعوام الرمادة، وتهللت الملامح المتجهمة ثم ذاب الجليد وتعالت هتافات الساخطين على ارتفاع الأسعار والسيبة غير مصدقين،.. “وي..ربحنا!”.
أقدام الفريق المغربي كانت حاتمية، هدف تلو الآخر، والشعب المتعطش للفرح يطالب بالمزيد “زيدوهم زيدوهم”، ومع كل زيادة يجن جنونه ويتوعد الفريق الخصم متشفيا “هادي البداية.. مزال مزال!”.
المشاهد كانت فعلا مؤثرة، المصادرة عرباتهم وبضاعتهم كانوا يقفزون كالاطفال بعد كل هدف ويعانق بعضهم بعضا، يذرفون دموع الفرح وقد ذرفوها بالأمس قهرا وهم يستجدون بضاعتهم وعرباتهم.
المقصيون من مباريات التوظيف وحملة الشواهد المعطلون ينشدون فرحين بفوزهم في مباراة كرة قدم عادلة، بعد خسارتهم في مباريات التوظيف غير الشريفة.
المفقرون الذين خالجهم دوما إحساس بعدم الانتماء يهتفون بحماس “وا ربحنا..ربحنا”.
كلهم فرحون..
الذين بكوا بالأمس قرب المستشفيات لاعنين قلة ذات اليد..
الذين تابعوا حقهم وهو يتوارى في الأفق البعيد..
الذين وقفوا على العتبات ولم يسمح لهم بالدخول..
الذين سحلوا في الشوارع من أجل كرسي بئيس..
الذين قبلوا الأقدام من أجل سرير بمستشفى محترم..
الذين فقدوا المؤنسات الغاليات بأقسام الولادة..
الذين تخاذلت ركبهم عند سماعهم بخبر غرق فلذات أكبادهم بعرض البحر بحثا عن لقمة عيش..
الذين صرخوا بالأمس من “حر” الظلم والتنكيل وكثرة العقوبات أن “اااااااه”.. الذين سلبت أراضيهم وحتى الذين قطع رزقهم.
فشكرا جزيلا للسيد الرگراكي وشباب الفريق الوطني.. أدخلتم السرور على قلوب مكلومة.. ألف ألف شكر .